استئناف الدراسة في السودان ما بين القبول والاستنكار
بحماس وفرح انتظر الطالب السوداني محمد سعيد طه انتهاء عطلة عيد الأضحى لاستئناف دراسته بعد تعطلها لأكثر من عام ونصف العام في بلاده بسبب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، إذ لم يستطع محمد كحال الآلاف النزوح واللجوء إلى مناطق آمنة باشرت فيها المدارس العملية التعليمية ولم تعطلها ظروف المعارك.
وعبر والد الطالب محمد الذي يعمل أستاذاً جامعياً عن استيائه بسبب تعطل أبنائه عن التعليم وبخاصة أنها ليست المرة الأولى التي تتوقف فيها الدراسة في البلاد، إذ شهد السودان هذا السيناريو مرات عدة مع اندلاع ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير في الـ11 من أبريل 2019.
وقال الأكاديمي السوداني في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إن “تعطل الدراسة لفترات طويلة أدى إلى إحباط الطلاب خصوصاً أن أقرانهم الذين خرجوا من السودان واصلوا تعليمهم، مما جعل التعليم حالياً لمن ينفذ بجلده وللمستطيعين وهذا تمييز في حد ذاته”.
وناشد طه بضرورة “السعي إلى استئناف الدراسة في المناطق الآمنة بالولايات المختلفة بعد مضى عام ونصف العام، وبخاصة أن مستقبل البلاد بات مجهولاً وليست هناك أية مؤشرات لتحسن الأوضاع في القريب العاجل”.
ملايين الطلاب في السودان تضرروا من تعطل الدراسة في بلادهم وبخاصة طلاب الصف الثالث الثانوي الذين ينتقلون إلى الجامعة بعد انتهاء المرحلة، إذ عطلت الحرب ثلاث دفع وحرمتهم من أداء اختبارات الشهادة الثانوية، مما أدى إلى تراكم الدفع الدراسية لصعوبة إقامة الاختبارات بعد اندلاع الحرب، فضلاً عن تحول معظم المدارس إلى دور إيواء مما زاد من صعوبة مواصلة الدراسة.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم بالخرطوم بدورها استئناف العام الدراسي الحالي بمدارس الولاية باعتماد سياسة التدرج في استئناف العام الدراسي وفق ثلاث مراحل.
وقالت في بيان لها إن “المرحلة الأولى تبدأ بعد نهاية عطلة عيد الأضحى وهي مرحلة خاصة فقط بطلاب الصف الثالث الثانوي للعام الدراسي (2023- 2024) بهدف إجراء التدرج في هذه المراحل وسط الظروف الاستثنائية التي تعيشها الولاية سواء من النواحي المادية والأمنية وتحول المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين”.
وأكد البيان أن “طلاب ولاية الخرطوم الموجودين في أماكن غير مستقرة أمنياً سيتعامل معهم من خلال الدراسة من بعد (اسفيرياً) وفق البرنامج المصمم من قبل الوزارة”.
وحث جميع طلاب الولاية والمعلمين وأولياء الأمور على الاطلاع على محتوى المنشور الصادر عن الوزارة في هذا الشأن وتفهم ما جاء فيه، والاتصال بمكاتب الوزارة في كل من كرري وعطبرة حال وجود استفسارات أو معوقات تستوجب تدخل الوزارة أو المكاتب الفرعية.
وبدوره قال الموظف في وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم محمد أحمد إن “قرار استئناف الدراسة جاء بناء على رغبة أعداد كبيرة من أولياء الأمور في السودان، وبخاصة الموجودين في مناطق آمنة في ولاية الخرطوم، لذلك تم وضع خطة لتسهيل عملية الدراسة بعد عيد الأضحى إذ وجدت هذه الخطوة ترحيباً كبيراً من قبل الجميع”.
وعن الأوضاع الأمنية وأثرها على الطلاب حال استئناف الدراسة، أكد أحمد أنه “من دون شك يهم الوزارة أرواح الطلاب وسلامتهم في المقام الأول وبالتالي سيتم استئناف الدراسة في المناطق الآمنة، مع استقبال أعداد محدودة جداً من الطلاب وفق نظام الدفع الدراسية، ولن يتم افتتاح مدرسة كاملة واستقبال كل الدفع بل ستخصص أيام محددة في الأسبوع لاستقبال أعداد بسيطة وسيتم الأمر تدريجاً حتى نرى مدى فعالية القرار”.
وفي المقابل قوبل قرار استئناف الدراسة في مناطق الصراع باستنكار شديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي من ناحية أن الظرف الحالي غير ملائم، فمعظم الآراء تشير إلى أن هذا القرار غير مدروس وسيعرض الطلاب لأخطار جسيمة لأن الحرب ما زالت تشتعل في ولاية الخرطوم، إذ القتل والنهب والاختطاف والاغتصاب، وهو ما يستوجب الحذر اللازم.
لكن المتخصص التربوي الهادي السيد عثمان يرى أن “التعليم أمر مهم للغاية في أي مجتمع ومن دونه تنهار الدولة وتتلاشى تماماً، بيد أنه عانى في بلادنا خلال الأعوام الأخيرة معاناة بالغة بكل مراحله مما جعل الكل يتخوف من اتساع رقعة الأمية بسبب أحداث هذه الحرب المدمرة، ففي الحقيقة أن التعليم تعثر وتعطل ودخل في تدحرج واضح، لذلك فإن تلافي هذا الوضع الخطر أمر فرضي حتى لا تتعطل الدولة كلها وبخاصة أن التعليم يمثل في الأساس نهضة البلاد، لذا كان لا بد من بحث كل السبل لعلاج كل مشكلة تعليمية في كل المراحل”.
وتابع “توقف الدراسة لأكثر من عام أمر في غاية من الخطورة وقد ذاق مرارته الطلاب وأهاليهم والكل يعرف ذلك، لكن التحدي الحقيقي أن يتغلب الناس على الظروف الصعبة بأية صورة كانت ولا يقفوا مكتوفي الأيدي لأن ذلك يعني الانهزام، صحيح أن استئناف الدراسة ستواجهه عقبات عدة وبخاصة من ناحية المعلمين الذين شردتهم الحرب وتوزعوا في الولايات والدول المجاورة وغيرها، فضلاً عن تخوف وخشية الآباء وأبنائهم من أصوات المدافع وإن لم تقع على رؤوسهم قذائفها التي لا تفرق بين أهداف عسكرية وأعيان مدنية”.
وختم عثمان حديثه قائلاً “التعليم يتطلب استقراراً نفسياً يعيشه المتلقي، فالذي يجلس للدراسة خائفاً لا يسمع إلا وهو خائف، لكن على رغم خوفنا من ضياع أبنائنا نقولها بكل تفاؤل لقد صبرنا كثيراً ولم يبق إلا القليل جداً لعودة الحياة كلها لمجاريها، وتواصل العملية التعليمية في أجواء أكثر أماناً واستقراراً نفسياً من خلال منهج يسهم في تعميق حب الوطن ووحدة أراضيه حتى يصبح وطناً قوياً وشامخاً”.