أخبار العالماخر الاخبار

سموم بيضاء في الجزائر لا ترحم الصغار ولا الكبار

تتفاقم مشكلة المخدرات الصلبة أو ما يطلق عليها “السموم البيضاء” في الجزائر بشكل مخيف بعد أن عرف انتشار استهلاك وترويج الكوكايين والهيروين خلال الأعوام الأخيرة مستويات غير مسبوقة، مما وضع الحكومة أمام حال استنفار قصوى لاحتواء الظاهرة التي تعد أحد الأسباب الرئيسة وراء تفشي الجريمة والعنف في المجتمع.

وتشير حصيلة نشاطات المديرية العامة للأمن في الجزائر لعام 2023 إلى أن مصالحها تمكنت من حجز أكثر من 169 كيلوغراماً من الكوكايين و3.6 كيلوغرام من الهيروين، إضافة إلى 13.5 ألف قرص مهلوس، بينما تجاوزت كمية الكيف المعالج المحجوزة في الفترة نفسها سبعة أطنان، وتوقيف أزيد من 146 ألف شخص توبعوا في قضايا مرتبطة باستهلاك وترويج المخدرات في مناطق مختلفة.

وفي السياق تمكنت وحدات الجيش الجزائري المتخصصة في محاربة الاتجار بالمخدرات خلال عام 2023 من توقيف 2723 تاجر مخدرات وإحباط محاولات إدخال 573 قنطاراً من الكيف المعالج عبر الحدود، وحجز أكثر من 86 كيلوغراماً من مادة الكوكايين و11.6 مليون قرص مهلوس.

ومنذ بداية العام الحالي ولغاية الـ 19 من مارس (آذار) الجاري، حجزت وحدة الجيش الجزائري أكثر من 68.6 كيلوغرام من الكوكايين وأزيد من 557.1 قنطار من الكيف المعالج، وأوقفت عشرات المروجين للمخدرات عبر مناطق مختلفة من البلاد.

ولعل أبرز عملية أثارت انتباه الرأي العام المحلي تلك التي جرت في يوليو (تموز) 2023 حين أعلن الأمن الجزائري إحباط خفر السواحل عملية كبيرة لتهريب 79 كيلوغراماً من الكوكايين كانت عائمة وسط البحر، وتوقيف 16 مشتبهاً فيهم.

وتبدو هذه الكميات المحجوزة ضئيلة مقارنة مع ما كشفت عنه السلطات الإسبانية في مايو (أيار) 2023 حين حجزت 322 كيلوغراماً من الكوكايين في إحدى موانئها الجنوبية كانت في طريقها نحو الجزائر، ثم عثور خفر السواحل الجزائري قبل عامين على خمسة قناطير من مادة الكوكايين في الواجهة البحرية غرب البلاد، وفق ما جاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع.

وأعادت هذه الأرقام إلى الأذهان سيناريو عام 2018 حين اكتشفت شحنة من سبعة قناطير من الكوكايين قادمة من إحدى دول أميركا اللاتينية نحو الجزائر وتسببت حينها في ضجة كبرى أدت إلى إقالة مسؤولين كبار.

ويبرر ارتفاع كميات الكوكايين المحجوزة زيادة استهلاك هذا النوع من المخدرات على رغم خطورتها، إذ كشفت مديرة الوقاية في الديوان الجزائري لمكافحة المخدرات وإدمانها غنية مقداش في تصريح للإذاعة الجزائرية عن ارتفاع تعاطي الكوكايين في البلاد 200 في المئة خلال الأشهر الـ 10 الأولى من عام 2022، فيما زادت نسبة استهلاك المهلوسات الأخرى 100 في المئة.

وأوضحت مقداش أن المراهقين والشباب يتصدرون قائمة المتعاطين للمخدرات، مبرزة أن تحقيقات ميدانية أكدت أن الاستهلاك صار باكراً، إذ جرى ضبط مؤثرات عقلية في المدارس الابتدائية.

وقالت إن الإدمان صار تهديداً للأمن والصحة العمومية، داعية إلى الوقاية وضرورة تحصين المراهقين وتحلي العائلات بالفطنة واليقظة، مع حرص السلطات الحكومية على حماية محيط الأطفال والفتيان.

تحركات داخلية وخارجية

وتواجه الجزائر نشاطاً لافتاً لعصابات تهريب المخدرات والحبوب المهلوسة مما استدعى تشديد العقوبات التي قد تصل إلى المؤبد على هذا النشاط الإجرامي.

ودفع تفاقم الوضع السلطات الجزائرية إلى الاهتمام أكثر باستهلاك المخدرات والشبكات التي تعمل على الترويج لها وسن حزمة من الإجراءات والقوانين، آخرها إدراج تعديلات جديدة على قانون مكافحة المخدرات وتشديد العقوبة على المتاجرين فيها لتصل إلى 30 عاماً سجناً نافذاً، وهي المرة الثانية التي تضفي فيها الجزائر تعديلات على القانون بعد تعديل أجرته عام 2014.

أما على المستوى الدولي فقد أعلنت الجزائر خلال الاجتماع الأممي السنوي للجنة المخدرات إنشاء أربعة مراكز جهوية عصرية لعلاج الإدمان على المخدرات على مستوى التراب الوطني.

وخلال الاجتماع السنوي للجنة المخدرات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في دورتها الـ67 المنعقد في فيينا في الـ 17 من مارس (آذار) الجاري، شدد المندوب الدائم للجزائر السفير العربي لطروش على “أهمية التعاون الجهوي والدولي لمكافحة هذه الآفة”، مؤكداً ضرورة الالتزام التام بالاتفاقات الثلاث لمراقبة المخدرات خلال وضع السياسات الدولية في هذا المجال.

وقبل أسبوع أجرى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف محادثات مع المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا غادة والي، تطرق فيها لجهود بلاده من أجل مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والتصدي لظاهرة تهريب المخدرات والاتجار بها في المنطقة”.

وأكدا في السياق ذاته “ضرورة إدراج هذه الأولوية في صلب اهتمامات مختلف الشراكات متعددة الأطراف وبخاصة الشراكة الأفريقية – الأوروبية”، وفق الخارجية الجزائرية.

ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة وهران ياسين فعفاع أن المخدرات من أكثر المشكلات والانحرافات الاجتماعية تهديداً لاستقرار المجتمعات، وأحد مسببات خلق الفوضى فيها ومنع تقدمها.

وقال فعفاع في حديثه لـ “اندبندنت عربية” إن “المجتمع الجزائري عرف انتشار استهلاك المخدرات بشكل متزايد منذ الأعوام الـ 10 الأخيرة، بحسب ما تشير إليه كثير من الإحصاءات الرسمية، ومعه تزايد مستويات الانحراف والجريمة محلياً”.

وأضاف أن المواد المصنفة كمخدرات تنقسم إلى أنواع عدة وتتفاوت في مستويات تأثيراتها في الصحة العامة والعقلية وكذلك درجات الإدمان ومنها الحشيش والمهلوسات والمخدرات الصلبة مثل الكوكايين والهيروين، كما يختلف مستوى انتشار كل منها، فمنذ 20 عاماً أو أكثر لم يعرف المجتمع الجزائري استهلاكاً للمخدرات الصلبة والمهلوسات بالشكل الموجود حالياً، بل كان الاستهلاك لدى المراهقين والشباب مقتصراً على الحشيش فقط.

وأوضح فعفاع تزايد استهلاك هذه الأنواع الجديدة بشكل مخيف، على رغم الخطورة الكبيرة التي تشكلها على الصحة العامة والنفسية والعقلية للإنسان، وزيادة المشكلات المالية المترتبة عليها بالنسبة إلى الأفراد المستهلكين لها نظراً لارتفاع أسعارها، وكذلك المشكلات الأمنية والقضائية التي تهدد مستقبلهم.

بدوره اعتبر الباحث الجزائري في الصحة العمومية أمحمد كواش أن ارتفاع نسب استهلاك وترويج المخدرات الصلبة في البلاد يشير إلى أن الحروب الكلاسيكية التي تعودنا عليها أصبحت من الماضي، واليوم يُعتمد أسلوب جديد لتدمير مستقبل الأمم وهم الشباب والمراهقون.

وقال كواش في تصريح خاص إنه عند تدمير الجانب الصحي والنفسي للشباب عبر استهلاك الكوكايين والهيروين فلن يكون لهم مستقبل اجتماعي ولن يقدروا على بناء أسرة أو اكتساب صحة بدنية ونفسية سليمة، وعليه فمن الواضح جداً أنه أصبح الاعتماد في تدمير الدول على الترويج لمختلف أنواع المخدرات.

وأوضح أن هناك عوامل تسهم في انتشار أنواع المخدرات من خلال التجار الكبار المنتشرين داخلياً أو خارجياً، وهو أمر مخيف وخطر جداً، إضافة إلى الأساليب المتبعة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو بعض المسلسلات والأفلام التي تروج لهذا النوع من المخدرات، واستغلال الفراغ الاجتماعي والظروف الاقتصادية لكثير من الشباب والمراهقين والأسر، وحتى الفتيات في الجامعات والطلاق وانعدام السكن وتفشي البطالة، وكلها عوامل تسهم بشكل كبير في انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات.

ويشير كواش إلى أن ترويج الهرويين والكوكايين مدر لأرباح مالية كبيرة، كما أن المستهلك أصبح يبحث عن مواد مخدرة أكثر قوة وكأنه نوع من الاحترافية، بعد أن تجاوز المدمنون المخدرات التقليدية والأقراص المهلوسة.

ونوه كواش إلى أن مراحل الوقاية من المخدرات ثلاث، الأولى قبل دخول المخدرات من خلال تصدى مصالح الأمن على مستوى الحدود والمعابر البحرية والبرية والجوية لمحاربة المروجين قبل استهلاكها، وكذلك زرع ثقافة التوعية وسط الأطفال والأولياء، وتتعلق المرحلة الثانية بتحديد الشخص الذي يتعاطى المخدرات بشكل سريع والشروع في علاجه، أما المرحلة الثالثة فهي توفير ظروف معيشية وعملية ملائمة حتى لا يعود الشخص الذي تعافى من الإدمان للتعاطي مرة ثانية.

وخلص كواش إلى تأكيد ضرورة تكثيف الجهود لمكافحة استخدام الكوكايين في الجزائر من خلال تعزيز الحملات التوعوية والتثقيفية حول أخطار هذا المخدر، وتقديم الدعم للأفراد الذين يعانون الإدمان من أجل العلاج والتأهيل، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لمكافحة تهريب الكوكايين والمخدرات الأخرى عبر الحدود، لأن هذه المشكلة لا تقتصر على الحدود الوطنية بل تتطلب جهوداً مشتركة على مستوى الإقليم والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى