رأي

العلاقة بين السلوك والاعتياد!

 

بقلم: عيسى المزمومي

العلاقة بين السلوك والاعتياد ليست مجرد مسألة علمية تُدرس في المختبرات النفسية، بل هي جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث تتداخل بشكل مباشر مع طريقة تفكيرنا الواعي وقدرتنا على اتخاذ القرارات. الاعتياد على السلوك هو عملية تتطور مع مرور الوقت، إذ يتحول السلوك الذي يتطلب في البداية جهدًا وانتباهًا إلى سلوك آلي يُنفذ دون الحاجة إلى تفكير مستمر. لكن كيف يمكن فهم هذه العلاقة بين السلوك والاعتياد في إطار التفكير الواعي؟ وكيف تؤثر هذه العلاقة على حياتنا اليومية وعاداتنا وسلوكياتنا الإنسانية؟
علميًا، الاعتياد على السلوك يترك أثرًا واضحًا على الدماغ، حيث يبدأ الدماغ في التكيف مع السلوك المتكرر ويقلل الجهد المبذول لتنفيذه. هذا التكيف يتيح لنا التركيز على مهام أخرى دون استنزاف طاقتنا الذهنية. على سبيل المثال، الاعتياد على ممارسة الرياضة بانتظام قد يبدو في البداية مرهقًا، لكنه مع الزمن يتحول إلى عادة يومية لا تتطلب تفكيرًا عميقًا، مما يسمح لنا بتطوير مهارات أخرى أو التركيز على أهداف جديدة.
التفكير الواعي يلعب دورًا حاسمًا في تشكيل العادات. عندما نبدأ سلوكًا جديدًا، نحتاج إلى التفكير بوعي في سبب اختيار هذا السلوك وأهميته بالنسبة لنا. التفكير الواعي يساعدنا على تحديد الأهداف وتوجيه أنفسنا نحو السلوكيات التي تعزز قيمنا وأهدافنا الشخصية. لكن مع مرور الوقت، ومع تكرار السلوك، يتحول إلى عادة، وهنا يبرز السؤال: هل يمكننا المحافظة على التفكير الواعي بعد أن يصبح السلوك عادة؟
الإجابة تكمن في القدرة على الموازنة بين التفكير الواعي والاعتياد. فمن المهم أن نتوقف أحيانًا لتقييم عاداتنا وسلوكياتنا ونتساءل عن مدى توافقها مع قيمنا وأهدافنا. التفكير الواعي لا يعني فقط اتخاذ قرارات جديدة، بل يشمل أيضًا مراجعة العادات الحالية للتأكد من أنها تخدمنا بشكل إيجابي.
السلوك الإنساني يمكن أن يكون قوة دافعة لإلهام الآخرين، خاصة عندما يتحول إلى عادة متجذرة. رجل الأعمال السعودي عبدالله عبداللطيف الفوزان هو مثال حي على ذلك. من خلال سلوكه المتميز واهتمامه المستمر بالأعمال الخيرية ومساعدة الآخرين، استطاع أن يصبح نموذجًا يحتذى به. لم يكتفِ الفوزان بممارسة العمل الخيري كفعل فردي، بل حوّله إلى عادة مستمرة تعكس تفكيرًا واعيًا ورؤية إنسانية عميقة. هذه السلوكيات ليست فقط انعكاسًا لشخصيته، بل هي أيضًا دعوة غير مباشرة للآخرين للاقتداء به واعتماد سلوكيات مماثلة.
عبدالله عبداللطيف الفوزان نموذج متميز لرجل الأعمال الذي استطاع دمج قيمه الإنسانية مع نجاحه المهني، مما جعله رمزًا للعمل الخيري المستدام. تميز الفوزان بسلوكه الحسن واعتياده على تقديم المساعدة للآخرين، حيث لم يقتصر على تقديم الدعم المادي فقط، بل ركز على تمكين الأفراد وتحقيق تأثير طويل الأمد من خلال دعم التعليم والتدريب وتوفير الفرص التي تسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك.
ما يجعل الفوزان نموذجًا يُحتذى به هو نهجه الشامل في العمل الخيري، إذ يعتبر العطاء جزءًا أصيلًا من حياته اليومية وسلوكًا متجذرًا في شخصيته. دعمه للمبادرات التعليمية ومشاريع تمكين الشباب يعكس رؤيته العميقة لأهمية الاستثمار في الأفراد لبناء مستقبل مستدام. كما أنه يبرز كرائد في تعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية بين رجال الأعمال في المملكة، مشجعًا الآخرين على تبني قيم مماثلة في حياتهم المهنية والشخصية.
من خلال أفعاله ومبادراته، يثبت الفوزان أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالمكاسب المادية، بل بالتأثير الإيجابي الذي يمكن تحقيقه في المجتمع. فهو قدوة لرجل الأعمال الذي يجمع بين النجاح والالتزام بالقيم الإنسانية، مما يجعله مصدر إلهام للأجيال القادمة ومثالًا حيًا على كيفية تحويل العمل الخيري إلى عادة مستدامة تخدم المجتمع وتحقق الخير للآخرين.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكننا تغيير عاداتنا لنصبح أصحاب سلوكيات راقية ونتميز بحسن الخلق؟ التغيير يبدأ بالتفكير الواعي. علينا أن نبدأ بتحديد العادات التي نرغب في تغييرها أو تطويرها، ثم نتساءل عن الأسباب التي تدفعنا لذلك. هل نهدف إلى تحسين أنفسنا؟ أم نسعى لإلهام الآخرين؟ أم أننا نرغب في تحقيق هدف معين؟
الخطوة الثانية هي الالتزام. التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل يتطلب جهدًا مستمرًا وتكرارًا يوميًا. يمكننا استخدام تقنيات مثل التذكير الذاتي، ووضع أهداف صغيرة قابلة للتحقيق، والاحتفاء بالنجاحات الصغيرة على الطريق.
أخيرًا، علينا أن نحيط أنفسنا بأشخاص يلهموننا ويدعموننا في رحلتنا نحو التغيير. البيئة المحيطة لها دور كبير في تشكيل عاداتنا وسلوكياتنا. إذا كنا محاطين بأشخاص يدعموننا ويشجعوننا على التغيير الإيجابي، فإننا سنكون أكثر قدرة على تحقيق ذلك.
العلاقة بين السلوك والاعتياد هي علاقة معقدة لكنها ضرورية لفهم كيفية تحسين حياتنا. التفكير الواعي هو المفتاح لتوجيه هذه العلاقة نحو تحقيق أهدافنا وقيمنا. وعندما ندمج التفكير الواعي مع الاعتياد على السلوكيات الإيجابية، يمكننا ليس فقط تحسين حياتنا الشخصية، بل أيضًا إلهام الآخرين ليصبحوا جزءًا من هذه الرحلة الإنسانية الرائعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى