الحلقة الثالثة عشرة: رمضان في ذاكرة الزمن الجميل!

بقلم: عيسى المزمومي
يأتي رمضان كل عام ليحمل لنا بشائر تفاصيل جميلة قد تمر على شاشة القلب، ولكن الإنسان الصادق لن يتجاهلها، لأنها تشكل له هاجساً يجب أن يُكتب بكل صدق، رغم رحيل الزمن الجميل!
في مسيرة الحياة، حيث يتصارع الطموح مع التحديات، تبرز الإدارة ليس كوظيفة تُؤدى، بل كفن يُمارَس وحكمة تُكتسب. ليست القيادة مجرد سلطة تُمنح، بل مسؤولية تُحتضن، وهي ليست عنواناً وظيفياً بقدر ما هي مرآة تعكس جوهر الشخص وقدرته على التأثير. تبدأ كل مسيرة ناجحة برؤية، لكنها ليست مجرد خطط مكتوبة أو أهداف مسطرة، بل هي بصيرة داخلية، قدرة على رؤية الأمور لا كما هي فقط، بل كما يمكن أن تكون. إنها موهبة القائد في استشراف المستقبل، في تحويل الفوضى إلى نظام، والضياع إلى وجهة واضحة!
حين نتأمل في الإدارة الناجحة، تبرز شخصيات تركت بصمتها في عالم التنظيم والتخطيط، ليس لأنهم كانوا الأعلى منصباً، بل لأنهم امتلكوا القدرة على رؤية الأفق البعيد وتحويله إلى واقع. في المنطقة الشرقية، نماذج مثل الأستاذ علي الشهري، من منسوبي القسم الإعلامي في إمارة المنطقة الشرقية، والأستاذ إبراهيم آل شيبان (أبو الوليد) من منسوبي فرع وزارة الإعلام في المنطقة الشرقية، والأستاذ عادل القحطاني من منسوبي القسم الإعلامي في هيئة الهلال الأحمر، والأستاذ مشعل الدوسري (أبو محمد) من منسوبي أمانة المنطقة الشرقية، جسدوا هذه الفكرة؛ لم يكونوا مجرد مسؤولين في مؤسساتهم، بل كانوا روافد فكرية تبني وتلهم، وتحوّل العمل الإداري إلى تجربة إنسانية راقية.
يرى البعض الإدارة كأوامر تُنفَّذ، لكنها في جوهرها تواصل إنساني، معادلة دقيقة بين التوجيه والإلهام. المدير العادي يعطي التعليمات، أما القائد الحقيقي فيبني بيئة يتنامى فيها الإبداع، حيث لا يخشى الأفراد التجربة، ولا يخافون الخطأ، لأنهم يدركون أن كل خطأ هو درس، وكل محاولة هي خطوة للأمام. إن التمكين هو لبّ الإدارة الفعّالة؛ فالقائد الحقيقي لا يحكم من برج عالٍ، بل يقف في وسط الفريق، يدًا بيد، يجعلهم يرون إمكانياتهم، يفتح أمامهم الأبواب بدلاً من أن يغلقها، ويمنحهم الثقة بدلاً من أن يسلبها منهم.
في عالم متسارع، حيث تتغير المعارف كالموج المتحرك، لا يمكن للإداري أن يقف عند نقطة معينة معتقداً أنه بلغ ذروة الفهم. البقاء في القمة لا يتحقق إلا لمن يواصل التسلق. القراءة ليست ترفاً، بل ضرورة، والانفتاح على الأفكار الجديدة ليس خياراً، بل مسار حياة.
القائد الذي لا يتعلم، يتوقف، ومن يتوقف في هذا العصر يُستبدل. فالعقل الإداري أشبه بالنهر، إذا توقف عن الجريان، تحوّل إلى مستنقع راكد. ومن هنا، كانت عظمة أولئك الذين يدركون أن كل لقاء، كل تجربة، كل تحدٍ هو فرصة جديدة للنمو. قد يعتقد البعض أن النجاح الإداري مرتبط فقط بالقدرة على تحليل الأرقام واتخاذ القرارات الصارمة، لكن الحقيقة أعمق من ذلك. الإدارة ليست مجرد معادلات عقلية، بل هي رحلة داخل النفس البشرية.
أن تفهم فريقك يعني أن تفهم دوافعهم، مخاوفهم، وأحلامهم. أن تجعلهم يرون في أنفسهم ما لم يروه من قبل. أن تعطيهم الثقة بدلاً من الخوف، والأمل بدلاً من الشك. القائد الملهم لا يفرض إرادته، بل يجعل الآخرين يريدون أن يسيروا معه لأنهم يرون فيه انعكاساً لأفضل ما فيهم.القائد الحقيقي لا يهرب من المسؤولية، بل يحتضنها. هو أول من يعترف بالخطأ، وآخر من ينسب النجاح لنفسه. القيادة ليست امتيازاً، بل عبءٌ لا يحمله إلا من كان قلبه واسعاً بما يكفي ليشمل الجميع، وعقله حكيمًا بما يكفي لاتخاذ القرارات الصعبة. كم من مدير يُلقي اللوم على الظروف؟ وكم من قائد يقف بشجاعة، ينظر إلى التحديات في عينها، ويقول: “أنا مسؤول”. المسؤولية ليست فقط أن تُحاسب، بل أن تكون على قدر الثقة التي وُضعت فيك، أن تدرك أن كل قرار هو حجر في بناء المؤسسة، وكل اختيار يشكّل جزءاً من مستقبلها.
لا تخلو الإدارة من العواصف. الضغوط جزء من العمل، لكن الفرق بين القائد العادي والقائد الاستثنائي هو في كيفية تعامله معها. البعض ينهار عند الأزمات، بينما الآخرون يتحولون إلى نقاط ارتكاز، إلى بوصلة توجه الفريق وسط العاصفة. الهدوء تحت الضغط ليس ضعفاً، بل هو أقوى أشكال القوة. إنه القدرة على التفكير بوضوح حين يتشتت الآخرون، وعلى اتخاذ القرار الصائب حين تطغى الفوضى. إنه القوة الداخلية التي تجعل من الأزمة فرصة، ومن الفشل نقطة انطلاق جديدة.أن تصبح إداريًا ناجحاً ليس غايةً تصل إليها، بل رحلة تتعلم فيها، تتغير، وتعيد اكتشاف ذاتك كل يوم. القيادة ليست أن تصدر الأوامر، بل أن تترك أثراً، ليست أن تفرض سلطتك، بل أن تلهم غيرك ليكونوا أفضل.
فإذا أردت أن تكون قائدًا، لا تبحث عن السيطرة، بل ابحث عن التأثير. لا تسعَ لفرض الاحترام، بل اجعل أفعالك تتحدث عنك. فالقادة الحقيقيون لا يُقاسون بما يحققونه لأنفسهم، بل بما يحققونه للآخرين!