تتجلّى عظمة القراءة في التحليل والتفسير والخوض في غمار المعنى والمغزى ، فالمنظور العامّ لكلّ نتاج يختلف كثيرا عن البعد الثالث لثالوث الحكمة المكوّن من المنتج والمتلقي والهدف .
كلّل قرآننا الكريم بأبهى صور الأدب السلوكيّ والفلسفيّ والدينيّ والتعليميّ ، وله الكثير من الأهداف الفلسفية والاجتماعي الّتي رسمت الإطار العام للمدنيّة ، والتي تختلف كليا عن الفلسفيّة اللغويّة التي ركز جلّ من قرأ القرآن الكريم عليها ، القرآن نزل بلغة أهل مكّة فهل كانت اللّغة ذاتها تلك اللّغة التي نستخدمها الآن ؟ إن سطحية التحليل تؤدي لمصائب مفزعة في التأويل .
لن أطيل .. وبداية أدعو أن يبقى الباحث والكاتب وضاح صائب بصحّة وسعادة ليستمرّ في الكتابة ونختلف معه أو نتفق ونشاكسه بوجهات نظرنا .
بالرغم من أني اختلفت معه كثيرا في كتابه الأوّل؛ لكني اتّفق معه وكثيرا بهذا الكتاب الثريّ – الذي لم يحظ بما يستحقّ- بسبب جبننا في مناقشة كل ما ربينا على أنه خطوط حمراء ، ليس لجهلنا بالمنطق بل محاولة منا لإثبات أننا النسخة المكرّرة للنسوة المقبولة في مجتمعها ، تجرأت وقرأت وتمعنت ووقفت على الكثير مما لم نجهله بل تجاهلناه ، فكان الباحث كمن جسّ الجرح فزاده إيلاما ، فوتيرة الألم ترتفع حين يعلم الجريح موضع جرحه لكنه يتماها في تجاهله ليآتي من يجسّه فيصرخ الألم .
الباحث المميز بانتقاء الممنوع والمحظور للحديث عنه سيكون اليوم حاضرا عبر مدونتي ، وكذلك في الصحف الإلكترونيّة التي أنشر بها ما يجود به القلم ( سما العالم ،شراع الخليج ، منصة المشاهير، جريدة الصوت المصريّة ) .
جاء كتاب الباحث وضاح صائب ( وأد الأنثى بين النصوص المقدّسة وعقدة الذكوريّة) ب160 صفحة ،جلّها انكبّت على التحليل والنقاش العقلانيّ الّذي طالبنا المولى به ، وكعادة الكاتب وبأسلوبه الذي أعرف انحاز لأسلوب استفزاز القارئ ، كنظريّة محرضة للتشجيع على الإطّلاع ولست هنا بصدّد تقييم تلك الطريقة .
استرسل الباحث في النقاش والتحليل للنصوص القرآنيّة ؛ منحازا لرغبته حث الناس على الأخذ بالقرآن كما أراده الله لا كما عمد لتحويره وتفسيره بعض المعمّمين والقائمين على المؤسسات الدينيّة ، فحوّلوا العرف والعادة لدين وحوّلوا الدين لعادة ؛ ل..يبقَى المجتمع متمسكا بالعقدة الذكوريّة بل وأصبحت بعض تلك المظاهر أسلوبا للتستّر من الرذيلة ، شرح لنا الباحث الفرق بين الحكم الشرعي وبين الوصايا والإرشادات ، فبيّن المقصد والهدف يفسر المنطق ، وما الحرف والكلمة إلا ساحة للاجتهادات التي عصفت بالكثير من حقوق الأنثى ، بل ووصل الأمر لجعل الفتوى تأخذ مقام الحكم الشرعيّ القاطع .
عمد الباحث لعلم تجريد الوجود( الأنطولوجيا ) من خلال نقاش وتحليل الحرف والمعنى والحدث الذي كان سببا لنزول النص القرآنيّ ؛ مظهرا فلسفته الخاصة بالتفسير وبنقاش وتحليل عميق يحاول إثبات أن الفلسفة العامة لظلم الأنثى تعود للمفسّر المتحيّز الذكوريّ المخرف .
أشارالباحث لتعاقب الحقائق التي انطلق منها الإسلام لنصرة المستضعف وإحقاق الحق والمساواة ، مظهرا لنا عنصرية بعض المفسّرين بطرح التفرقة والتعصب والعنصريّة من خلال تفسير بعض النصوص.
بانفتاح تعبيريّ تفسيريّ منطقيّ أشار لمواضع الخلّل والاقصاء من الحقوق ، فملحمة القضايا المطروحة غذت الكتاب بحقيقة لسانيّات الإيحاء ، المرتكبة بحقنا كنساء وأطرتنا بكاريزما جلد الذات والخنوع ، بل وجعلت منا مجرد أصنام تتلذّذ باحتضارها كنوع من الهيبة والوقار المثقل بالعبء الاجتماعيّ .
جاء أسلوب الكاتب كالوخز المتخفّي ليثير ألف فكرة نوقشت مع الأنا .. ورفضت خشية ردود فعل من وأد الأنثى ، لقد سرقوا منا لذّة اللّحظة الضائعة التي لم نستطع قبضها ؛ ومع كل لحظة كنا نجبر الروح أن تهدأ .
أعجبني تركيز الباحث على الحكمة الإلهيّة الرابطة بين الحدث وظرفه وزمانه ومكانه ؛ بما معناه وحدة والزمان المكان والموضوع ، وضع الكاتب اجتهاده بين يدي أفراد مجتمع غلب عليه القمع والوأد والتنظير والتحقير والشخصنة .
استعان بنقاشه لمواضيع الكتاب بشيء من علم السيموطيقا والسيميولوجيا والتحليل المحايث والبنيوي.